قال الإمام أبو نعيم: حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا عباس بن أحمد بن أبي شحمة، ثنا الوليد بن شجاع، ثنا عمر بن حفص بن عمرو بن ثابت الأنصاري، ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك t قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ r فِي مَرَضِهِ الَّذِي تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: "عَلَيَّ بِالنَّاس" فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا أَحَلَّ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا حَرَّمَ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُعَلِّقُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ تَرِكَةً وَضَيْعَةً، أَلَا وَإِنَّ تَرِكَتِي وَضَيْعَتِي الْأَنْصَارُ فَاحْفَظُونِي فِيهِمْ".
تخريج الحديث:
· أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/263)، والضياء في "الأحاديث المختارة" (6/134/ح2132) من طريق ابن أبي شَحْمَة.
· والطبراني في "الأوسط"(5/309/ح5398)، ومن طريقه، الضياء في "الأحاديث المختارة"(6/134/ح3133) كلاهما( الطبراني، والضياء) من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة.
· والضياء أيضاً في "الأحاديث المختارة"(6/134/ح2134) من طريق أبي هَمَّام السَكُوني.
ثلاثتهم (ابن أبي شَحْمَة، وابن أبي خيثمة، والسَّكُونِي) عن الوليد بن شُجَاع، به بمثله، ورواية ابن أبي خيثمة، و السَكُونِي مختصرة.
دراسة الإسناد:
1. أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم: هو العَسَّال([1])، مُحَدِث أصبهان.
روى عن: عباس ابن أبي شَحْمَة، ووالده، وأبي مسلم الكَجّي([2])، وغيرهم، وعنه: أبو نُعَيم الأَصْبَهاني([3])، وأبو عبد الله بن مَنْدَة، وأبو بكر بن مِرْدَوْيَه, وغيرهم.
اتقفوا على حفظه وإتقانه.
توفي سنة: 349ه([4]).
2. العباس بن أحمد بن محمد بن أبي شحمة أبو الفضل القَطِيعي([5]).
روى عن: الوليد بن شُجَاع، وإسحاق بن البَهْلول، ويعقوب الدَوْرَقي، وغيرهم وعنه: محمد بن أحمد العَسَّال، ومحمد بن عبيد الله، وعبد الله بن موسى، و غيرهم.
وثقه الخطيب البغدادي، وابن ماكولا.
فهو ثقة؛ لتوثيق من ذكرت له، ولا يوجد من لمزه، أو طعن فيه.
توفي سنة: 311ه([6]).
3. الوليد بن شُجَاع بن الوليد بن قيس، أبو هَمَّام السَكُوني([7]).
روى عن: عمر بن حفص، وإسماعيل بن عياش، وابن المبارك، وغيرهم، وعنه: العباس بن أحمد ابن أبي شَحْمَة ، وأبو حاتم الرازي، والإمام مسلم، وغيرهم.
وثقه من الأئمة ابن شاهين، وأبو نُعَيم الأَصْبَهاني، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال يحيى بن معين، والعجلي، والنسائي: "لا بأس به"، وقال أبو حاتم: "صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به وهو أحب إلى من أبى هشام الرفاعي"، وقال الإمام أحمد بن حنبل: "اكتبوا عن أبي هَمَّام"، وقال صالح بن محمد جَزَرَة: "تكلموا فيه، سئل عنه يحيى بن معين فقال: ليس له بخت مثل أبيه".
قال في "الكاشف": "حافظ يُغْرِب"، وقال في "تقريب التهذيب": "ثقة".
والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق الأئمة له، أما كلام أبي حاتم فهو من المتشددين.
قال الذهبي مدافعاً عنه: "قد احتج به مسلم، وهو على سعة علمه قل أن تجد له حديثاً منكراً، وهذه صفة من هو ثقة".
توفي سنة: 243ه، وقيل غير ذلك، وأروى له مسلم وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه([8]).
4. عمر بن حَفْص بن عمرو بن ثابت، أبو سعيد الأنصاري.
ويقال: أبو سعد، هكذا قال مسلم، وانكر الحافظ ابن حجر ذلك، وتردد المزي والله أعلم.
روى عن: أبيه، وعبد الرحمن بن محمد الأنصاري، وزكريا بن أبي زائدة، وغيرهم وعنه: الوليد بن شُجَاع، وداود بن رشيد، وهشام بن عَمَّار، وغيرهم.
قال أبو حاتم: "ما أرى بحديثه بأساً"، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وابن قُطْلُوبَغَا في "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة"، وحكم الضياء المقدسي، على هذا الإسناد بأنه حسن.
قال في "تقريب التهذيب": "مقبول".
والذي يظهر، أنه لا بأس به؛ لتعديل أبي حاتم، مع أنه من المتشددين، ولحكم الضياء المقدسي على حديثه بأنه حسن، وعدم وجود من طعن فيه، أما قول ابن حجر: "مقبول"، فلعله لم يقف على كلام أبي حاتم السابق. والله أعلم.
توفي سنة: 200ه، وروى له النسائي([9]).
5. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الأَنْصاري، ابن أبي الرِجَال النَجَّاري([10]).
روى عن: أبيه، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وغيرهم، وعنه: عمر بن حفص، وأبو نُعَيم الفضل بن دُكَيْن، و قُتَيْبَة بن سعيد وغيرهم.
وثقه من الأئمة يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وابن شاهين، والدارقطني، وقال ابن معين في رواية: "ليس به بأس"، وقال أبو داود، وابن عدي: "لا بأس به"، وقال أبو حاتم: "صالح".
قال في "الكاشف": "وثقه جماعة"، وقال في "تقريب التهذيب ": "صدوق ربما أخطأ".
والراجح أنه ثقة؛ لتوثيق الأئمة له، أما أبو حاتم فهو متشدد. والله أعلم، وروى له أصحاب السنن([11]).
6. ربيعة بن أبي عبد الرحمن، واسمه فَرُّوخ([12])، القُرَشي أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي.
روى عن: أنس بن مالك t، وسليمان بن يسار، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. وعنه: عبد الرحمن بن أبي الرجال، وسفيان الثوري، وسليمان التيمي، وغيرهم
الأئمة على توثيقه وفضله، وذكر ابن الصلاح أنه اختلط بأخرة، وأُنْكِر عليه ذلك قال الأَبْنَاسِي([13])([14]): "وما تعرض أحد لاختلاطه ووثقه الجماعة" وقال أيضاً: "لم يتكلم فيه أحد إلا من جهة الرأي لا من جهة الاختلاط مع أنه قد برأه غير واحد من الرأي".
قال في "تقريب التهذيب": "ثقة فقيه مشهور".
توفي سنة 136، وقيل 133ه، وقيل غير ذلك، وروى له الجماعة ([15]).
الحكم على الحديث:
الحديث بهذا الإسناد حسن؛ لأن فيه عمر بن حفص بن عمرو بن ثابت وهو لا بأس به. والله أعلم.
معاني المفردات:
تَرِكَة: التَرْك: التراث المتروك، أي ما يتركه الميِّتُ لورثته من المال والممتلكات([16]).
ضَيْعَة: ضيعة الرجل: حرفته وصناعته ومعاشه وكسبه، قال الأَزْهَري([17]): " الضيعة والضياع عند الحاضرة مال الرجل من النخل والكرم والأرض، والعرب لا تعرف الضيعة إلا الحرفة والصناعة"([18]).
الحديث يدل صراحة على أن شريعة محمد r باقيةً إلى قيام الساعة، وأنه لا يأتي نبي أو شريعة تنسخها، حتى نزول عيسىu، في آخر الزمان، لا يكون ناسخاً في أحكامه لهذه الشريعة المحمديَّة، وهذا البقاء لهذه الشريعة، يدل على أنه لا نبي يأتي بعد نبوة محمد r، فَيُشَرِّع للناس غير ما عليه الشريعة المحمدية.
وقد استدل العلامة القُرْطُبي([19]) في الرد على من توهم بارتفاع التكاليف عند نزول عيسى u!، بأدلة ختم النبوة، وأنه لا نبي بعد محمدr([20])، مما يدل على أن بقاء الشريعة يثبت أن محمد r خاتم النبيين. وإن لم تكن هذه الدلالة صريحة، لكنها واضحة، فكيف يُعقل أن يبعث الله نبي يكون له أتباع، ثم لا يَذْكر شيئاً من هذا ولا يُشِير إليه، فلا يتصور أن الشريعة الكاملة، التي بَيَّنت وأوضحت للناس تفاصيل دقيقة في متعلقات الدين والحياة، تترك التنبيه عن هذا الأمر العظيم!. والله أعلم.
فائدة من الحديث:
1. في قوله: "عَلَيَّ بِالنَّاس"، مشروعية جمع الناس، وتحديثهم في غير الجمعة والأعياد، وقد فعله النبي r أكثر من مرة، وهو إشارة إلى أهمية الأمر الذي سوف يتحدث به.
2. في قوله: "أَلَا وَإِنَّ تَرِكَتِي وَضَيْعَتِي الْأَنْصَارُ فَاحْفَظُونِي فِيهِمْ"، دلالة على فضل الأنصار، "لما لهم من السبق في نصرة الدين وإيواء المصطفى r والذب عنه وحمايته من أعدائه حتى أظهر الدين وأحكم قواعد الشريعة"([21])، وهذا لا يختلف عليه أهل السنة، وقد ورد في فضلهم أحاديث كثيرة هذا منها وقد بوب البخاري على ذلك، بـ"علامة الإيمان حب الأنصار"، وساق حديث "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ"([22]).
3. في وصيتهr للصحابة y، على الأنصار، وتذكيره بحقهم إشارة إلى أن الخلافة ليست فيهم إذ لو كان كذلك لأوصاهم بغيرهم ولم يوص عليهم([23]).
([1]) العَسَّال: بفتح العين المعجمة وتشديد السين المهملة، هذه النسبة إلى يبيع العسل. ينظر: "لب اللباب في تحرير الأنساب" ص(179).
([2]) الكَجّي: بالفتح وتشديد الجيم، هذه النسبة إلى الكَجّ وهو الجص. ينظر: "الأنساب"(11/50).
([3]) الأَصْبَهاني: بكسر الألف أو فتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة، وهذه النسبة إلى إقليم أصبهان، وأصل اسمها سباهان وسباه العسكر، وهي في إيران حالياً، جنوب طهران. ينظر: "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/69).
([4]) ينظر: "طبقات المحدثين بأصبهان"(4/227)، "تاريخ أصبهان"(1/193)، "تاريخ بغداد"(2/89)، "سير السلف الصالحين" ص(1350)، "إكمال الإكمال "(4/314)، "المعين في طبقات المحدثين" ص(113) "المقتنى في سرد الكنى"(1/62)، "تاريخ الإسلام"(7/880)، "سير أعلام النبلاء"(16/6).
([5]) القَطِيعْي: بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون الياء المنقوطة، هذه النسبة إلى أربعة أماكن، الأول: قطيعة الربيع، والثاني: قطيعة عيسى بن علي، والثالث: قطيعة الفقهاء والرابع: قطيعة الدقيق. كلها محال ببغداد. ينظر: "الأنساب"(10/464)، "لب اللباب في تحرير الأنساب" ص(210).
([6]) ينظر: "تاريخ بغداد"(14/43)، "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف"(5/45)، "تهذيب مستمر الأوهام" ص(305).
([7]) السَكُوني: بفتح السين وضم الكاف وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى سَكُون، بطن من كنده. ينظر: "الأنساب"(7/164).
([8]) ينظر: "الطبقات الكبرى"(7/362)، "التاريخ الصغير"(2/378)، "معرفة الثقات"(2/342)، "الكنى والأسماء"(2/888)، "الجرح والتعديل"(9/7)، "الثقات"(9/227)، "تاريخ أسماء الثقات" ص(246) "تاريخ بغداد"(15/615)، "تاريخ دمشق"(63/141)، "تهذيب الكمال"(31/22) "الكاشف"(2/352)، "من تكلم فيه وهو موثق" ص(531)، "ميزان الاعتدال"(4/339)، "سير أعلام النبلاء"(12/24)، "إكمال تهذيب الكمال"(12/235)، "تهذيب التهذيب"(11/135)، "تقريب التهذيب" ص(582).
([9]) ينظر: "التاريخ الكبير"(6/149)، "فتح الباب في الكنى والألقاب" ص(382)، "الثقات"(8/439) "الأحاديث المختارة"(6/134)، "تهذيب الكمال"(33/352)، "تاريخ الإسلام"(4/1172)، "التكميل في الجرح والتعديل" (3/209)، "تهذيب التهذيب"(12/108)، "تقريب التهذيب" ص(644)، "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة"(7/278).
([10]) البَجَّاري: بفتح النون وتشديد الجيم، هذه النسبة إلى ثلاثة أشياء: الأول: إلى بطن من الخزرج، والثاني: إلى محلة بالكوفة يقال لها "بنو النجار"، والثالث: إلى مذهب طائفة من المعتزلة يقال لهم النَجَّارية، وهم فرقة يتبعون، الحسين بن محمد النجار الرازيّ، و كان يرى القول بخلق القرآن، وينفي عذاب القبر, ينظر: "الأنساب"(13/35).
([11]) ينظر: "التاريخ الكبير"(5/346)، "الجرح والتعديل"(5/281)، "الثقات"(8/376)، "مشاهير علماء الأمصار" ص(223)، "الكامل في ضعفاء الرجال"(5/464)، "تاريخ دمشق"(35/378)، "تهذيب الكمال"(17/88)، "الكاشف"(1/627)، "من تكلم فيه وهو موثوق" ص(329)، "ميزان الاعتدال"(2/560)، "تهذيب التهذيب"(6/169)، "تقريب التهذيب" ص(340).
([12]) فَرُّوخ: بالفتح، وتشديد الراء مع الرفع. ينظر: "المغني في ضبط أسماء الرجال" ص(196)
([13]) الأَبْناسي: بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، هذه النسبة إلى أَبْنَاس قرية صغيرة بالوجه البحري من أرض مصر. ينظر: "ذيل لب اللباب في تحرير الأنساب" ص(54).
([14]) هو: العلامة المحدث الفقيه، إبراهيم بن موسى بن أيوب، برهان الدين أبو إسحاق الأَبْناسي الشافعي صاحب كتاب "الشذا الفياح"، توفي سنة: 802ه. ينظر: "الضوء اللامع"(1/172).
([15]) ينظر: "التاريخ الكبير"(3/286)، "معرفة الثقات" (158)، "الجرح والتعديل"(3/475)، "الثقات" (4/231)،"معرفة أنواع علوم الحديث" ص(496)، "تهذيب الكمال"(9/123)، "الكاشف" (1/393)، "إكمال تهذيب الكمال"(4/353)، "الشذا الفياح"(2/ 760-761)، "تهذيب التهذيب"(3/258)، "تقريب التهذيب" ص(207).
([16]) ينظر: "مجمل اللغة"(1/147)، "مختار الصحاح" ص(46)، "معجم اللغة العربية المعاصرة"(1/291).
([17]) الأَزْهري: هو العلامة اللغوي، محمد بن أحمد بن الأَزْهَري، أبو منصور الهروي، صاحب كتاب "تهذيب اللغة"، توفي سنة: 370هـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء"(16/315).
([18]) ينظر: "تهذيب اللغة"(3/47)، "لسان العرب"(8/230).
([19]) القُرْطُبي: هو الإمام العلامة، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر، شمس الدين القُرْطُبي ، صاحب التفسير، توفي سنة:671هـ. ينظر: "الأعلام"(5/322).
([20]) ينظر: "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة " ص(1301).
([21]) ينظر: "فيض القدير"(5/288).
([22]) أخرجه البخاري في "صحيحه" في الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (1/12/ح17)، ومسلم في "صحيحه" في الإيمان(1/85/ح74).
([23]) ينظر: "فيض القدير"(5/288)، بتصرف.
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .