ليته سكت.. ليته لم يتكلم.. وقد حسبتها زلة لسان
من فضيلة الشيخ ضياء الدين محمد المسئول عن إدارة البحوث والترجمة
الإسلامية، أثناء إجابته علي سؤال الاستاذ مصطفي سليمان الصحفي بجريدة
"الأسبوع" حول تحقيقه عن اختراق القاديانية للأزهر بكتاب يبطل الجهاد
والمنشور بالعدد "623" بتاريخ 20 مارس 2009، فكانت الصدمة في إجابة الشيخ
ضياء أن القاديانية ليست كلها كفرا أو مخالفة للعقيدة، خارقا بذلك إجماع
جميع المجامع العلمية ودور الفتوي وعلي رأسها الأزهر الشريف بتكفير
القاديانية والمعروفة بالأحمدية، والحكم بردة المنتسبين اليها، وقد كان
يستطيع الاجابة بدبلوماسية إذ أن طباعة الكتاب كان قبل ست سنوات من توليه
منصبه وسيقوم بمراجعة الامر والتحقق من صحته، ولكن وللاسف أخذته العزة
بالإثم بدلا من أن يعلن خطأ التصريح المخالف للموقف الرسمي للأزهر جامع
وجامعة، وأخذ يهرف بما لا يعرف مطالبا الجميع بالنظر الي "نصف الكوب
المليان" علي حد قوله، ليمثل نموذجا صارخا علي ضياع الأمانة في زمن انقلبت
فيه المعايير ووسد فيه الأمر الي غير اهله، ومعه بدأت تباشير الفوضي
الخلاقة التي بشرتنا بها غير المأسوف عليها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية
الامريكيةالسابقة من خلال بعث الفرق والنحل البائدة والضالة، وتمكين بعضها
بقوة القانون أحيانا، واستقواء البعض الاخر بلجان الحريات وحقوق الانسان
الغربية حينا آخر، مع إثارة عقائد ومفاهيم أو صراع عرقيات وإثنيات تعمل
جميعا علي تهديد النسيج الوطني والسلم الاجتماعي وتدعو الي إثارة الطائفية،
ومنها هذه النحلة الضالة والمعروفة باسم القاديانية أو الاحمدية والتي
حاولت منذ زمن نبيها الكذاب الميرزا غلام أحمد التسلل الي مصر عبر مراسلة
علمائها ومفكريها وعرض كتبه وأفكاره التي رفضوها وحذروا المسلمين منها مما
دعاه أن يرد علي الزعيم الوطني مصطفي كامل الذي سفه أفكاره في جريدة اللواء
فألف القادياني في الرد عليه "مواهب الرحمن"، وليتنبأ بعد ذلك بموت السيد
محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار بمرض عضال جراء تكذيبه وتفنيد دعواه في
المنار، وهو مالم يحدث حيث مات هذا الكذاب وعاش بعده رشيد رضا سنوات عديدة،
فليست هذه اذن المحاولة الاولي لاختراق العقل المصري واعتقد انها لن تكون
الأخيرة من تلك المحاولات المحمومة للحصول علي صك الاعتراف الأزهري ليسهل
لافكارهم السباحة في المحيط الإسلامي، وعليه فقد تنوعت وسائلهم وأساليبهم
للحصول علي بغيتهم تلك، ومن أمثلة ذلك:
في سنة 1959م استطاعت تسريب ثلاثة طلاب قاديانيين
من ألبانيا للدراسة في الازهر ومن ثٌم يسهل عليهم خداع المسلمين في بلادهم
من خلال عمامة الازهر نظرا لثقتهم في الازهر وعلمائه، ولكن لم يستمر
الخداع طويلا إذ سرعان ماتم اكتشافهم، وعلي الفور شكل شيخ الازهر حسن مأمون
لجنة للتحقيق ومناقشتهم فيما نسب اليهم، وبعد الوقوف علي حقيقة معتقدهم
أصدر فتواه بالحكم بردة القاديانية. ومن العجيب أن مفتي ألبانيا السابق كان
قاديانيا.
وقد تلتها محاولة أخري ظنوا أنها بعيدة عن أعين
حراس العقيدة من خلال الاندساس ضمن مشروع "الالف كتاب" التابع لوزارة
المعارف "التربية والتعليم حاليا" بتسريب كتاب "الفكر الخوالد للنبي محمد
صلي الله عليه وسلم" لمؤلفه "محمد علي اللاهوري" والذي يصفه الشيخ ضياء
الدين "بمولانا" تعظيما لشأنه، ولكن كان الازهر له بالمرصاد، حيث كتب
الاستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله - رئيس تحرير مجلة الازهر في
افتتاحية المجلد الثامن والعشرين بتاريخ 1 فبراير 1957 يحذر من الكاتب
والكتاب الذي يسوي بين القرآن الكريم الذي يعتبره من أفكار النبي محمد صلي
الله عليه وسلم وبين الوحي المزعوم للميرزا غلام أحمد، وقد طالب في نهاية
مقاله من وزير المعارف - التربية والتعليم - بأن يأمر بحجز نسخ الكتاب الذي
ترجمته ونشرته إدارة الثقافة العامة، وان يأمر بإحراقها، وان يغرم نفقات
ترجمة الكتاب وطبعه لمن أشار إلي إدخاله في الكتب الألف، وان ينبه علي
ادارة الثقافة العامة بأن تستشير في كل شئ أهل الامانة والنصيحة والمعرفة
بحقائق الاشياء.
ولم تنته المحاولات بعد، ففي عام 2006 زار مشيخة
الازهر وفد يمثل القاديانيين العرب الذين التقوا بفضيلة شيخ الازهر الدكتور
محمد سيد طنطاوي وقدموا له كتابا دعائيا لا يحمل صريح عقيدتهم لعلهم في
هذه المرة يحصلون علي تصريح الازهر بأنهم فرقة من فرق المسلمين للالتفاف
علي قرارات المجاميع الفقهية التي حكمت بكفرهم وردتهم عن الاسلام، ولكن
مجمع البحوث آنذاك كان لهم بالمرصاد، إذ كرر الحكم بردتهم تأكيدا لموقف
الأزهر الراسخ منهم، ويؤكد ذلك وفرة الردود الأزهرية وتنوعها لدحض مزاعم
القاديانية والتحذير منها خلال النصف الأول من القرن العشرين فقط: حيث
أصدرت مشيخة الأزهركتابين، وأصدر مجمع البحوث الإسلامية أربعة كتب وأكثر من
تقرير في هذا الشأن، بينما تناولت مجلة الأزهرهذه النحلة من خلال ثلاثة
عشر بحثا ومقالا، في حين قدم شيوخ وعلماء جامعة الأزهر ثلاثة وعشرين
كتاباودراستين للماجستير بالاضافة إلي خمسة بحوث محكمة في دوريات كليات
الجامعة، كلها في الرد علي تلك النحلة الضالة.
ومن هنا هالني تصريح الشيخ ضياء الدين وازداد
استغرابي بطلبه أن ننظر الي النصف المليء من الكوب مع استعماله صيغ الاطراء
والتعظيم للضال المضل محمد علي اللاهوري، ولذلك أقول لفضيلته كنا نتمني ان
نري في الكوب قطرة ماء، فالحمد لله قد علمنا نبينا محمد صلي الله عليه
وسلم أن نحرص علي هداية المخالفين والعصاة، فقد كان صلي الله عليه وسلم
يتحسر عليهم حتي كادت نفسه الشريفة ان تذهب من شدة تألمه علي انحرافهم، فإن
كان المسئول الاول عن التأليف والنشر بالازهر لا يعلم حقيقة القاديانية
فتلك مصيبة، وان كان يعلم فالمصيبة أعظم بمخالفته لاجماع علماء الامة
بمختلف مذاهبهم ومشاربهم، ولذلك نحن الان أمام سؤالين يجب ألا يمرا مرور
الكرام قبل كشف اللثام عن انحراف محمد علي خاصة والقاديانيين عامة، ويجب
علي المسئولين بالازهر الشريف قبل غيرهم الاجابه عليهما ومحاسبة المسئولين
عنهما:
أولا: من الذي راجع هذا الكتاب "التعاليم الخالدة الموحي بها الي النبي محمد صلي الله عليه وسلم" وسمح له بالنشر؟
ثانيا: من الذي أمر بتوزيعه علي الائمة والوعاظ في ادارات الوعظ التابعة للازهر بالمحافظات؟
فالواضح اننا امام مخطط مكتمل الأركان لاختراق
الازهر، حيث تم الحصول علي موافقة مجمع البحوث الاسلامية بشكل أو بآخر مما
يعطي القارئ الثقة في الكاتب والكتاب، ومن ثٌم يتلقاه القارئ في ظل الجهل
بعقائد هذه النحلة المتسترة باسم الاحمدية بالقبول، وفي خاتمة الكتاب يجد
الاعلان الترويجي عن كتب أخري للكاتب تعظم من شأن الاحمدية ونبيها الكذاب
والتي تم ترجمتها للعربية بواسطة الدار الاسلامية للنشر بأمريكا مذيلة
بارقام الهواتف وعناوين المراسلة عبر البريد الالكتروني لإرسالها مجانا.
وفي خضم ذلك يجب ألا ينسي فضيلة الشيخ ان
للقاديانية سجلا أسود في خدمة المصالح الانجلوصهيوأمريكية فقديما استخدمتها
بريطانيا ككتيبة متقدمة تهيئ البلاد وتدجن المسلمين في شبه القارة الهندية
وأفريقيا، وقد شاركت بكتيبة من أفرادها في الاحتلال البريطاني للعراق،
وبعد وعد بلفور بأربع سنوات عام 1921م استقرت في أرض فلسطين خلية قاديانية
لتنشر أفكارها بين الفلسطينيين بترك الجهاد وعدم مقاومة المحتل علي أن
البريطانيين إحدي نعم الله تعالي علي هذه الامة، ولذلك ليس بمستغرب ان تفرد
لهم صحيفة معاريف الصهيونية في عددها الصادر في 3-3-2006م الصفحات لتروج
لعقيدتهم علي انها الاسلام الجديد، وتبرز مساعيهم بين الفلسطينيين لدعوتهم
لهذا الإسلام المتخلي عن الجهاد.
ولذلك استحقوا زيارة كبار المسئولين لمقرهم في
الكبابير بحيفا حيث طلب رئيس الكيان الصهيوني عام 1957م مقابلة مبلغهم
شوهدري محمد شريف عندما عزم العودة الي باكستان، وقد تبع ذلك زيارة كبار
المسئولين الصهيانة لمركزهم هذا، وآخرها مشاركة الرئيس الصهيوني الحالي
شمعون بيريز في حفل الافطار في رمضان 1429ه ليشيد بهم وبجهودهم. لأن
الموضوع كبير ولا تستوعبه مقالة واحدة، ولكن مادام انه ليس بشرط ان نشرب
ماء البحر كله لنعرف انه ملح أجاج ولكن يكفينا منه جرعة لنتأكد من ذلك،
فسأكتفي ببيان حقيقة مؤلف الكتاب الذي يصفه الشيخ ضياء الدين بمولانا بصيغة
التعظيم والتبجيل ليوهم القارئ بالمكانة العلمية لمحمد علي اللاهوري صاحب
أكبر تحريف للقرآن الكريم في ترجمته لمعانيه باللغة الانجليزية والذي كشف
الأزهر تحريفه المعنوي لآياته حيث سرب فيه الكثير من معتقدات القاديانية
مثل استمرار نزول الوحي وعدم انقطاع النبوة، وبالتالي فإن النبوة لم تختتم
بمحمد - صلي الله عليه وسلم - وان الميرزا غلام أحمد القادياني نبي، وهو ما
أكد عليه في كتابه "الدين الاسلامي.. اصوله وقواعده" الذي ترجمه السكرتير
العام لمصلحة السكك الحديدية بالقاهرة سنة 1952م:"ان الوحي مستمر الي
الآن"،. بالاضافة إلي إنكاره جميع المعجزات الحسية للأنبياء مستخدما سلاح
التأويل المنحرف، مع ابطال الجهاد ضد الاستعمار الاجنبي تبعا لرأي نبيه
المأفون غلام أحمد القادياني الذي يري ان حكم الاحتلال البريطاني لبلاد
المسلمين حكم شرعي واجب الطاعة، والفرية الكبري ادعاؤه ان المسيح عيسي ابن
مريم عليه السلام ابن ليوسف النجار مخالفا بذلك نصوص القرآن الكريم، وهذا
ما اعترف به الشيخ ضياء الدين بإجمال علي انه يمثل نصف الكوب الفارغ،
ولمعرفة النصف الآخر من الكوب الذي يدعي بأنه يحمل من العقيدة الصحيحة ما
يحفظ عليه اسلامه وكأن ما مر لا يكفي للحكم بردتهم، ولذلك احيل فضيلته الي
مجلة "الازهر" الجزء السابع، المجلد الثامن والعشرون لسنة 1987م حيث تصف
محمد علي اللاهوري بأنه احد الاركان الاربعة الذين قامت علي اكتافهم ضلالة
غلام احمد القادياني.. ولنفاقه ونفاقهم يسمونه - اي الميرزا غلام أحمد -
نبيا اسلاميا، جاء ليكمل الاسلام، ومن اكماله للاسلام ان اعلن ابطال
الجهاد، وان قتال الانجليز حرام، اما محاربة المسلمين في صفوف الانجليز فهو
الجهاد المشروع.
وقد اجابت لجنة الفتوي بالازهر في المجلد 34 لسنة
1962م في باب الفتوي ردا علي استفسارات وزارة الخارجية المرفوعة من وكيل
وزارة الاوقاف المساعد لشؤون التخطيط والدعوة بشأن المساعدة في بناء مسجد
للطائفة الاحمدية التي يتزعمها محمد علي في هولندا، وحكم الصلاة فيه، وبعد
استعراضها لنصوص مذهب الاحمدية من ان الميرزا غلام أحمد نبي مرسل، وقولهم
باستمرار نزول الوحي الي غير ذلك مما هو كفر صريح وخروج عن دين الله بين،
وغواية لا لبس فيها ولا خفاء.
تفيد اللجنة بأن مذهب الطائفة الاحمدية المتفرعة
من مذهب غلام أحمد وطائفته القاديانية مذاهب باطلة منافية بعقائدها
وعباداتها لعقائد وعبادات المسلمين الصريحة.. وان طائفة هذا شأنها وشأن
اتباعها لا يجوز بحال ان نساعدها بأي وجه من وجوه المساعدة لا في مسجد ولا
في غيره، فإن مساجدهم ليست الا للتضليل والإغواء وتعد فخاخا تنصب ليصطادوا
بها الشباب الغض من ابناء المسلمين يغررون بهم، ويوقعونهم في شباكهم، بل ان
واجبا علي جميع المسلمين في بقاع الارض ان يضيقوا الخناق علي امثال هذه
الطائفة المضلة حتي تنقرض، وان الصلاة وان كانت تصح في اي بقعة من الارض
متي كانت طاهرة صالحة لأداء الصلاة فيها.. لا يحل اداؤها في مساجد هذه
الطائفة وأمثالها لما يلزم عليه اخذهم هذا أداة للدعاية يروجون بها
لمذاهبهم ومعتقداتهم الباطلة. وهو ما اكده فضيلة شيخ الازهر السابق الشيخ
جاد الحق علي جاد الحق - رحمه الله - في بيانه المنشور في مجلة "الازهر"
مجلد 57 لسنة 1985م في الحكم علي القاديانية بفرعيها القادياني واللاهوري
بالردة عن الاسلام. وقد اعاد مجمع البحوث الاسلامية التأكيد علي هذا الحكم
بناء علي تقرير الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية اصول الدين سابقا وعضو
المجمع - راجع جريدة "الميدان". 14/2/2007
وللنشاط الكبير للقاديانية بين الطلاب العرب الدارسين في اوروبا
والذي اكدته تقارير السفارات المصرية في تلك البلاد، فقد كلفت الحكومة
المصرية علي حسب ما نشرته مجلة "الازهر" في مجلد 32 لسنة1961م في باب انباء
الثقافة، عن طريق وزارة الاوقاف كلا من الدكتور عبد الحليم محمود - شيخ
الازهر فيما بعد - والشيخ سيد سابق، والمستشار علي منصور بوضع رسالة عن
القاديانية ومبادئها وبيان خروجها علي تعاليم الاسلام علي ان ترسل الي
السفارات العربية في اوربا الغربية لمقاومة نشاط القاديانية.
وبعد فضيلة الشيخ.. هذا غيض من فيض جهد الازهر في
التصدي لهذه النحلة الضالة، وللمزيد يمكنك مراجعة أرشيف الازهر - جامعا
وجامعة - لتقف علي ذلك.
واعتقد الآن من حقي ان اقول لك: عفوا فضيلة الشيخ.. الكوب كله فارغ، وأن الماء فيه لم يصل إلي "القلتين" بعد؟!
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .