برز كثير من زعماء القاديانية وكبرائهم متخذين من حيل القادياني وضلالاته منهجاً لهم.
وطمع بعضهم في نفس المكانة التي احتلها زعيمهم-أي مرتبة النبوة- إلا أن بريطانيا لم تشأ أن تقويهم إلى حد نصرتهم على ادعاء النبوة، كما فعلت مع الغلام؛ لئلا يذهب تأثير القاديانية من نفوس أتباع القادياني بحيث تصبح النبوءة متعددة في عصر واحد، مما يستدعي فتور الناس عن التصديق، أو الشك في نبوة الغلام، فتخسر ما بنته في أعوام عديدة، وكانوا أذكى من أولئك الذين تشوقوا للنبوة.
وفيما يلي نذكر بعض أولئك الزعماء بصورة موجزة؛ إتماماً للتعريف بالقاديانيين وهم بالإضافة إلى الغلام أحمد القادياني المؤسس الأول للقاديانية:
الحكيم نور الدين البهيروي:
هذا الرجل هو الشخصية البارزة بعد الغلام وصار هو الخليفة للقاديانية بعد موت الغلام، ويعتقد بعض الباحثين أنه صاحب الفكرة والتصميم في الحركة القاديانية كلها، وكان محباً للعز والجاه يتمنى ذلك بأي ثمن كان، وقد وجد في الغلام ما يمكنه من تحقيق ما يهدف إليه من الشهرة، فالتحق به وصار أكبر أعوانه والمخطط والمنفذ لأكثر آراء المتنبي، وكان المتنبي يبالغ في إكرامه إلى أبعد الحدود.
ولد الحكيم نور الدين في عام 1258هـ في بهيرة من مديرية شاه بور في البنجاب غربي الباكستان وتسمى هذه المديرية الآن سركودها ، وأبوه غلام رسول كان إماماً في مسجد بهيرة، وقد درس الحكيم نور الدين الفارسية وتعلم الخط ومبادئ العربية.
وعين أستاذاً للفارسية في مدرسة حكومية في روالبندي في عام 1858م ثم عين مديراً لمدرسة ابتدائية لمدة أربع سنوات، ثم تركها وانقطع للدراسة وملازمة بعض الشيوخ في ((رامبور))، ثم سافر إلى لكهنو ودرس الطب عن الطبيب المشهور الحكيم على حسين مدة سنتين، ثم سافر إلى بهوبال، ثم إلى الحجاز، وفي كل ذلك يتلقى العلم عن علماء هذه البلدان.
ثم عين طبيباً خاصاً في ولاية جمون-كشمير الجنوبية- واشتهر بها، وفي هذا الوقت تعرف على الميرزا غلام أحمد القادياني الذي كان مقيم في سيالكوت وتوثقت بينهما الصداقة وشرع يحرض القادياني على ادعاء النبوة ويؤلف الكتب لتصديقه وتكفير من لا يؤمن بنبوته، ولقب بالخليفة الأول وخليفة المسيح الموعد بمباركة الاستعمار البريطاني.
وكان آخر حياته أن سقط عن فرسه وجرح واعتقل لسانه قبل وفاته بأيام، ومات في 13 من مارس عام 1914م واستخلف الميرزا بشير الدين محمود نجل الميرزا غلام أحمد.
صفاته:
وكان الحكيم المذكور- كما وصفه الندوي- قلق النفس، ثائر الفكر، عقلي النزعة، تأثر بالمدرسة التي تدين بضرورة اخضاع الدين والعقيدة والقرآن للعلوم الطبيعية التي دخلت عن طريق الإنجليز، وتأويل كل ما عارض المقررات الطبيعية في ذلك العصر وكان كثير الرغبة في المباحثات والمناظرات وقد ظل متحمساً للقاديانية زعيماً لها بعد وفاة الميرزا القادياني إلى أن توفي.
محمود أحمد:
ابن غلام أحمد أو الخليفة الثاني للقاديانية. تولي زعامة القاديانيين بعد وفاة نور الدين، وأعلن أنه خليفة ليس للقاديانيين فقط، وإنما هو خليفة لجميع أهل الأرض بما فيهم بريطانيا، التي تفانى في الجاسوسية لها؛ حيث أعلن قوله: ((أنا لست فقط خليفة القاديانية ولا خليفة الهند بل أنا خليفة المسيح الموعود، فإذاً أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربي وإيران والصين واليابان وأوروبا وأمريكا وأفريقيا وسماترا وجاوا، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضاً وسلطاني محيط جميع قارات العالم)) .
ثم ادعى أن لقمان هو والده، وأنه هو ولد لقمان الذي ذكره الله بقوله: (وإذ قال لقمان لابنه) ، ومما يذكر عن سيرته أنها كانت مملوءة فحشاً وشناعة وفجوراً مما جعل القاديانيين يتألمون منه...
ومما كان يوصي به أتباعه أنه يقول لهم: ((إن آلام الحكومة الإنجليزية آلامنا))، وكان يشاركهم في أفراحهم ويرى خدمتهم شرفاً له على نفس المسلك الذي كان عليه والده من قبل-ومن يشابه أباه فما ظلم-، واستمر في غيه إلى أن عاقبه الله بعده أمراض ألزمته الفراش إلى أن هلك سنة 1965م.
الخواجة كمال الدين:
كان يدعي لنفسه أنه مثل غلام أحمد في الإصلاح والتجديد، وقد أخذ كثيراً من الأموال وذهب إلى انجلترا لتبليغ القاديانية، وسكن في ((ووكنج مشن))، ومال إلى انتهاب اللذات وبناء البيوت الفاخرة.
وكان إذا سمع بشخص أسلم ادعى فوراً أنه أسلم على يديه على الطريقة القاديانية الخارجة عن هدي الإسلام. وكان بعض هؤلاء الذين يدخلون في الإسلام من الأوروبيين-ويدعي الخواجة أنهم أسلموا على طريقة القاديانية- حين يعلمون ادعاء الخواجة يكذبونه، ويبينون أنه لا علاقة لهم بمذهب القاديانية.
وقد ذكر سائح هندي عن الخواجة كمال الدين وطريقته في طعامه، فقال: ((إن الأستاذ كمال الدين كان جالساً مع أحد أصدقائه في المطعم يأكلان الطعام، وبعد ذهابهما سألت صبي المطعم ما ذا أكل هذان الشيخان، فقال بكل سذاجة: أطيب نوع من لحم الخنزير)) .
قال إحسان إلهي: ((فهذا الصحابي الجليل للمتنبي القادياني ومن زعماء القاديانية اللاهورية مات بعد أن ترك تركة ضخمة)) ، وأيضاً كان يأكل أطيب نوع من لحم الخنزير، وأين الطيب؟ وأين لحم الخنزير؟
وقال فضل كريم خان في تكذيبه لإدعاء القاديانيين أن الناس أسلموا على أيديهم في ((ووكنج مشن))-قال:
((لا يوجد في عظماء الإنجليز الذين أسلموا من يرجع الفضل في إسلامه إلى ووكنج مشن. وقد أعلن اللورد هدلي أنه درس الإسلام بنفسه واعتنق الإسلام، وقال: ولم أتعرف على الخواجة كمال الدين إلا قبل إسلامي بأسبوعين فقط. وقد أسلم المستر مار ماديوك بكتهال في مصر وبفضل الأتراك والمصريين وتأثيرهم. وقد اعتنق سرارجيبا لدهملتين بضرورة عائلية، وهكذا إذا فحصنا وجدنا أن ووكنج مشن ليس لها في إسلام هؤلاء فضل ولا نصيب)) .
ويقول في نفس هذه المقالة راداً على الذين يزعمون أن مسجد ووكنج مشن من بناء القاديانيين، ومبيناً صلة القاديانيين به بعد ذلك:
((لست أدري كيف شاع في الهند أن جامع ووكنج من بناء القاديانيين!، الواقع أن هذا الجامع إنما بني بالمال الذي تبرعت به إمارة بوفال الإسلامية، أما المسكن الذي بجوار الجامع فهو في تذكار وزير حيدر آباد المشهور سرسالا رجنك، وقد بني كل ذلك تحت إشراف العالم الألماني الدكتور لائتس، لقد أسكن المؤلف الإسلامي المشهور السيد أمير علي الخواجة كمال الدين في هذا الجامع. وإلى الأول يرجع الفضل في بقاء هذا الجامع مركزاً للمسلمين)) .
وهناك شخصيات أخرى قاديانية –مثل:
محمد أحسن أمر وهو الذي كان مصدر عون لقادياني، حيث كان يرسل إليه مسودات كتبه، ليصلح ما يحتاج إلى إصلاحه فيها ثم يرسلها للغلام ليجعل اسمه على الكتاب.
وقد كان في عيشة راضية طوال عهد الغلام، إلا أنه وفي خلافة ابن الغلام محمود وأحمد وقع بين شركة النبوة القاديانية من التشاجر والسباب والتفرقة ما كان طبيعياً- في مثل تلك العلاقات القائمة على الكذب والحيل-أن يقع.
ومنهم: محمد صادق، وكان مفتياً للقاديانية، وعبد الكريم السيالكوتي إمام مسجد الغلام وخطيبه وصديق الغلام الخالص الذي مدحه بقوله: ((لم يولد في القاديانية رجل ثالث يضاهي حضرة الشيخ عبد الكريم))، وهو أول من خاطب الغلام برسول الله ونبي الله، فأذاقه الله في الدنيا عذاباً تقشعر منه الجلود.
كتب ابن الغلام أحمد بشير أحمد عن مرض عبد الكريم فقال: ((فابتلي الشيخ عبد الكريم في مرض كاربينكل وما بقي في جسمه موضع إلا شق من العمليات الجراحية، وكان يصرخ في مرضه صرخات لا يحتمل الإنسان سماعها؛ ولأجل ذلك غير حضرة المسيح الموعود مسكنه؛ لأن الشيخ عبد الكريم كان يسكن في نفس البيت الذي كان يسكنه المسيح الموعود، وكان الشيخ عبد الكريم يبكي ويصرخ لكي يزوره حضرة المسيح ولكن حضرة المسيح لم يذهب لعيادته؛ لأنه كان يقول: ((أنا أريد أن أذهب إليه ولكني لا أطيق أن أراه في هذه الحالة)).
وبعض الأحيان كان الشيخ عبد الكريم يفقد شعوره لشدة مرضه، وكان يقول: هاتوا إلي المركب حتى أذهب إلى حضرة المسيح؛ لأني منذ أيام ما رأيته، كأنه كان يظن أنه يسكن بعيداً عن حضرته في خارج القاديان، وهكذا استمر به المرض حتى هلك.
ومنهم: يار محمد، وهو من المؤسسين الأوائل لنبوة الغلام، وبعد هلاك الغلام استسهل يار محمد أمر النبوة فادعى هو الآخر أنه نبي لحضرة الغلام، وكان من أساتذة ابن الغلام محمود أحمد الذي رد بعد ذلك على يار محمد وخطأه في دعواه النبوة، وأن ذلك إنما كان عن سبب اختلال وقع به.
ومنهم نور أحمد القادياني الذي أعلن أنه رسول الله أيضاً فأعلن قوله: لا إله إلا الله نور أحمد رسول الله، أنا رسول الله أُرسلت رحمة للعالمين كما أنا مظهر لجميع الأنبياء، فردّ عليه ابن الغلام وخطأه وزعم بأن به مرض الجنون حسداً من ابن الغلام له.
ومنهم عبد الله تيمابوري، ادعى النبوة حسب بشارات غلام أحمد فقال: أنا هو الذي بشر عنه حضرة الأقدس المسيح الموعود غلام أحمد بأنه يرسل نبي، فها أنا أرسلت ببركة غلام أحمد وفيضانه، وسوف يظهر على يدي صداقة حضرة الغلام على الدنيا.
ولقد هان أمر النبوة في نظر صحابة الغلام، فادعى كل واحد أنه هو النبي المبعوث بعد الغلام، وكوّنوا جماعة قاديانية أخرى حصل بينهم نزاعات كثيرة إلا أنه كان يجمعهم تقريباً انتسابهم إلى الغلام، وأن الغلام القادياني نبي الله ورسوله كما أنهم أنبياء الله ورسله ولا نجاة لمن لم يؤمن بنبوة الغلام أحمد، كما لا نجاة لمن لم يؤمن بنبوتهم ورسالتهم هم أيضاً.
والفرق بينهم وبين المتنبي الغلام القادياني-بزعمهم- أن الغلام اكتسب النبوة بلا واسطة، وهم اكتسبوها بواسطته، فهو كالأستاذ لهم وهؤلاء كالتلاميذ له، وكانوا خلفاً جيداً للغلام وجيداً للاستعمار البريطاني، ولكن بريطانيا لم تقدم على دعمهم دعماً كاملاً، ولم تدع إلى نبوتهم كما دعت إلى نبوة الغلام؛ لئلا يستهين الناس بالقادياني؛ فتبطل دعواه النبوة وينفر الناس عنها كما تقدم.
هؤلاء هم أشهر زعماء القاديانية، وهناك مئات من الزعماء الأشقياء لهذه الفرقة الضالة، وقد خذلهم الله في أماكن كثيرة وانبرى لهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يردون عليهم ويبينون خروجهم عن الإسلام ويحذرون منهم، مما جعل القاديانيين يتتبعون بدعوتهم الديار النائية للمسلمين ومن تكثر بينهم الأمية، وقد نجحوا في دعوتهم بينهم.
والحرب بين قوى الخير وقوى الشر من الأمور التي لا تنتهي بين البشر، ولله الحكمة في ذلك والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار.
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) .
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .