وجاء ذلك فى وضوح تام فى القرآن الكريم : ( لا إكراه فى الدين ) (1) . فلا يجوز إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر . فحرية الإنسان فى اختيار دينه هى أساس الاعتقاد . ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيدًا لا يقبل التأويل فى قوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (2) .
ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها الإسلام كان إعطاء الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا يضار أحد منهم ولا يرغم بسبب دينه " .
بعيد عن المهاترات أو السخرية من الآخرين . وفى ذلك يقول القرآن : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) (3) . وعلى أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ، وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال :
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله * فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (4)
ومعنى هذا أن الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به . وهذا ما عبرت عنه أيضًا الآية الأخيرة من سورة ( الكافرون ) التى ختمت بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - :
( لكم دينكم ولى دين ) (5)
فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم على الإقناع واليقين ، وليس على مجرد التقليد أو الإرغام . وكل فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكارًا إلحادية . فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ولا يؤذى بها أحدًا من الناس .
أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التى تتناقض مع معتقدات الناس ، وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة والشكوك فى نفوس الناس . وأى إنسان يعتدى على النظام العام للدولة فى أى أمة من الأمم يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها معظم الدول بالقتل . فقتل المرتد فى الشريعة الإسلامية ليس لأنه ارتد فقط ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام فى الدولة الإسلامية . أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور .
وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى أن عقاب المرتد ليس فى الدنيا وإنما فى الآخرة ، وأن ما حدث من قتل للمرتدين فى الإسلام بناء على بعض الأحاديث النبوية فإنه لم يكن بسبب الارتداد وحده ، وإنما بسبب محاربة هؤلاء المرتدين للإسلام والمسلمين (6).
ــــــــــــ
(1) البقرة : 256.
(2) الكهف : 29.
(3) النحل : 125.
(4) آل عمران : 64.
(5) الكافرون : 6.
(6) راجع : الحرية الدينية فى الإسلام للشيخ عبد المتعال الصعيدى ص 3،72، 73، 88 ـ دار الفكر العربى ـ الطبعة الثانية (دون تاريخ).
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .