القاديانية والخلافات المذهبية..تحديات في طريق مسلمي سورينام!
المجتمع 10/2/2007 رضا عبد الودود
كشفت أعمال "المؤتمر السنوي العشرين لمسلمي أمريكا اللاتينية والكاريبي" الذي عقد في مدينة "ساو باولو" البرازيلية خلال شهر أغسطس الماضي الكثير من التحديات التي تواجه مسلمي سورينام؛ من تنامي الأنشطة التنصيرية، وتراجع المستوى الثقافي والتعليمي للمسلمين، وانتشار الفرق المنحرفة التي شوَّهت عقيدة مسلمي تلك البلاد..
قبل النظر لتلك التحديات وسبل مواجهتها، لابد من إطلالة سريعة حول دولة سورينام التي لا يعرفها الكثيرون من المسلمين.. بل لربما يتعجب كثير من المسلمين من وجود دولة اسمها "سورينام"، فضلاً عن أن يكون بها مسلمون، وهكذا تكون نكبة المسلمين المنسيين من قبل إخوانهم.
تقع دولة سورينام شمال قارة أمريكا الجنوبية على ساحل المحيط الأطلنطي، تحدها من الشرق جويانا الفرنسية، ومن الغرب جويانا الإسبانية، ومن الجنوب البرازيل، ومن الشمال المحيط الأطلنطي وتبلغ مساحتها 163265 كلم2 ، وعاصمتها مدينة "باراماريو"، عرفها الإسبان عام 898ه أي بعد سقوط الأندلس بعام واحد، وادّعوا ملكيتها، وقد نازعهم الإنجليز والهولنديون، حتى سيطر الهولنديون عليها عام 1078ه بعد أن احتلها الإنجليز عدة مرات.
وحصلت سورينام علي استقلالها الذاتي عام 1374ه، ثم شكلت مع هولندا اتحادًا إضافة لجزر الأنتيل الهولندية.
أشهر مقايضة في التاريخ.. السكر مقابل سورينام:
ومن عجائب التاريخ وتفاعلات السياسة الدولية، في بداية القرن السابع عشر كان السكر سلعة إستراتيجية بالمقام الأول، وقد احتكرته بريطانيا بمزارعها الشاسعة في الهند وفي البحر الكاريبي.
وفي الوقت نفسه، كان الهولنديون محبطين من عزوف الأوروبيين عن الانتقال للعمل والحياة كأجراء في مستعمرة هولندا الجديدة في الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية.
لذا ففي عام 1640م بادلت بريطانيا هولندا جزءا من مستعمرتها "جويانا" الغنية بقصب السكر (بأمريكا الجنوبية) مقابل المستعمرة الهولندية الباردة الجرداء، أمستردام الجديدة (بأمريكا الشمالية).
وسمي الجزء الهولندي من "جويانا" بعد ذلك ب"سورينام"، وغيّر الإنجليز اسم "نيو أمستردام" إلى "نيويورك".
النشاط البشري
الزراعة حرفة السكان الأولى، وتتركز في المنطقة الساحلية، والحاصلات تتكون من الأرز، وقصب السكر، والبن، والقطن، ويشغل الأرز أكبر قدر من المساحة الزراعية، وبالبلاد ثروة غابية تضم أخشاباً نادرة، إلى جانب صيد الأسماك، تتمثل الصناعة في بعض الصناعات الاستهلاكية، والسكر واستخلاص المعادن، وتشتهر سورينام بإنتاج خام البوكسيت، حيث تنتج 20% من إنتاجه العالمي ومن الألمنيوم..
ويعتمد اقتصادها على الثروة المعدنية المتمثلة بالبوكسايت (خام الألومنيوم) وصناعة الألومنيوم، والمحاصيل الزراعية مثل: الأرز، والسكر، والفواكه، والموز، حيث تغطي الغابات مساحة واسعة من البلاد، حيث إن نصيب الفرد من الناتج القومي هو 3400 دولار سنوياً.
إلا أن سورينام تعاني من مشكلات بيئية متمثلة في انقراض الغابات بسبب قطع الأخشاب للتصدير، وتلوث الممرات المائية نتيجة للأنشطة التعدينية.
تاريخ المسلمين في سورينام
جلب الهولنديون الرقيق من إفريقيا لتعمير البلاد، ونتيجة لسياسة الاستعباد والظلم ثار الأفارقة بقيادة أحد المسلمين والتجأوا إلى الغابات ودخلوا في صراع مع الهولنديين، الذين أُرغموا تحت قوة وصلابة المقاومة على التفاوض مع المسلمين الأفارقة الذين عرفوا باسم "جيوكا"، أي "زنوج الغابة" في عام 1172ه، وعندما هدأت الثورة بدأ الهولنديون في استقطاب العمال من مستعمراتهم في الهند، والصين، وإندونيسيا، ثم هاجر إلى البلاد بعض سكان بلاد الشام وزاد عدد المسلمين بالبلاد.
وتبلغ نسبة المسلمين 40% من إجمالي السكان، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنسبة لكونهم أقلية، وترجع أسباب زيادة نسبة المسلمين لعدة أسباب منها: إقبال أعداد جديدة كل عام على الدخول في الإسلام، وهجرة جماعات من السكان من البلاد، وغالباً ما تكون هذه الجماعات غير مسلمة، وزيادة نسبة المواليد عند المسلمين عن غيرهم.
وبذلك تعتبر سورينام من أعلى بلاد المهجر من حيث نسبة المسلمين، وربما تصبح بعد قليل من جملة أمصار العالم الإسلامي وتنضم لمنظمة المؤتمر الإسلامي كمراقب، كما تطالب بعض الفعاليات السياسية بأمريكا اللاتينية.
تحديات في طريق المسلمين
يعد الأفارقة الذين جُلبوا كرقيق هم أول المسلمين وصولاً إلى سورينام، غير أن الظلم، وتفكك الأسرة، والجهل، والأشغال الشاقة، ونشأة الأجيال في مجتمع بعيد عن الإسلام.. كل تلك العوامل جعلت هؤلاء المسلمين ينقرضون ويذوبون في المجتمع حتى جاء العمال الإندونيسيون وكانوا كلهم لحسن الطالع من المسلمين، ثم جاء عمال من الهند كان أغلبهم مسلمون.. وكان مجيء المسلمين للبلاد فاتحة خير عليها فعاد الإسلام للظهور، وأقيمت المساجد وُرفع الأذان، وأقيمت الشعائر بحرية، مما جعل كثيرًا من الأفارقة يعودون إلى الإسلام مرة أخرى.
الخلافات المذهبية
وأسس المسلمون الهنود جمعية لهم باسم "جمعية المسلمين السورينامية" يمثلون أهل السنة والجماعة على المذهب الحنفي سنة 1375هـ عقب الاستقلال مباشرة، وبنوا عدة مساجد كبيرة، وشيدوا عدة مدارس ابتدائية وثانوية، ولهم منظمة "جامعة العلماء" تضم أئمة المساجد، ويصدرون مجلة الإسلام باللغة الهندية، ويعتبر الهنود أكثر المسلمين نشاطًا في مجال الدعوة والعمل الإسلامي.
وفي المقابل، أسس أهل جاوة الإندونيسيون الذين استوطنوا سورينام "الاتحاد الإسلامي السورينامي" على المذهب الشافعي.. وهذا الأمر يعتبر في حد ذاته أكبر عائق يواجه المسلمين، حيث إن مشكلة التعصب والمذهبية تعوق كثيرًا من جهود الدعوة، وإنشاء أمثال تلك الجمعيات على أساس مذهبي، يولِّد العصبية، والفرقة، والخلاف، بل والنزاع، مثلما يحدث عند تحديد اتجاه القبلة، إذ يمكن تبعًا لموقع البلاد الجغرافي التوجه شرقًا والتوجه غربًا بسبب أن البعد يصبح واحدًا تقريبًا عن مكة لكروية الأرض..
فالهنود حين يبنون مساجدهم يجعلون القبلة شرقًاً، على حين أن الإندونيسيين يتجهون غربًا، وهكذا يتفرق المسلمون في أمر شُرع أصلاً لاتحادهم.
ويجد المسلمون عقبة أخرى في طريقهم، وهم القاديانيون الذين يُقدر تعدادهم بعشرة آلاف، وقفوا حائلاً دون توحيد المسلمين، وذلك عندما تشكلت "جمعية سورينام الإسلامية" سنة 1367هـ وكانت تهدف للقضاء على التعصب المذهبي بين الأحناف والشافعية، غير أن القاديانيين تسللوا إلى هذه الجمعية حتى فشلت تلك وفشل معها مشروع الوحدة التي تمثل أكبر مشكلة يتعرض لها المسلمون بتلك البلاد النائية.
وإزاء هذا الوضع لابد من التحرك السريع لتثبيت عقيدة وإسلام مسلمي سورينام من قبل المنظمات الخيرية ورابطة العالم الإسلامي لتقديم المناهج الفقهية الوسطية، وإنشاء الجامعات الإسلامية لتثقيف أبناء المجتمعات الإسلامية في عموم أمريكا اللاتينية..
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .